تحليل مبيعات العقارات في تركيا: سبتمبر 2024 واستمرار النمو في ظل التحديات الاقتصادية
يشهد قطاع العقارات في تركيا حالة من النشاط المستمر، حيث يبقى هذا القطاع واحدًا من المحركات الرئيسية للاقتصاد التركي. ورغم الظروف الاقتصادية المتغيرة التي شهدتها البلاد، بما في ذلك التضخم وارتفاع تكاليف البناء، فقد أظهرت بيانات مبيعات العقارات في تركيا لشهر سبتمبر 2024 أن السوق العقاري لا يزال يحقق نتائج إيجابية. وفي هذا المقال، نستعرض تطورات هذا القطاع، مع تحليل الأسباب التي ساعدت في استمرارية الارتفاع في مبيعات العقارات، بما في ذلك التوجهات في مبيعات الأجانب، وأثر التضخم، بالإضافة إلى التدابير الحكومية التي ساعدت في دعم هذا القطاع.
شهد سوق العقارات التركي تحسنًا ملحوظًا في مبيعات العقارات في شهر سبتمبر 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. حيث أظهرت البيانات الرسمية أن مبيعات العقارات في تركيا ارتفعت بنسبة 37.3% في سبتمبر مقارنة بشهر سبتمبر من العام 2023، لتصل إلى 140,919 وحدة سكنية. هذا النمو الكبير في مبيعات العقارات يأتي رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة التي واجهتها تركيا مؤخرًا، مثل التضخم وارتفاع أسعار المواد الخام.
في حين أن الاقتصاد التركي كان قد تأثر بارتفاع مستويات التضخم، إلا أن الطلب على العقارات لم ينخفض بشكل كبير، بل في بعض المدن الرئيسية، مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، استمر الطلب في النمو. ولكن هذا النمو لم يكن محصورًا في هذه المدن الكبرى فقط، بل كانت هناك بعض المدن الصغيرة التي شهدت أيضًا زيادة في مبيعات العقارات.
من بين الفئات المختلفة للمبيعات، تظهر البيانات أن المبيعات المرهونة قد شهدت ارتفاعًا كبيرًا في سبتمبر 2024 بنسبة 87.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. حيث بلغت المبيعات المرهونة 15,825 وحدة سكنية، ما يشير إلى تزايد الإقبال على القروض العقارية من قبل الأفراد والمستثمرين، رغم أن المبيعات المرهونة في الأشهر التسعة الأولى من العام انخفضت بنسبة 42.6%، لتصل إلى 92,310 وحدة سكنية.
من ناحية أخرى، كانت المبيعات الأخرى (التي لا تشمل المبيعات المرهونة) هي الفئة الأكثر نشاطًا، حيث بلغت 125,094 وحدة في سبتمبر 2024، بزيادة بنسبة 32.8% مقارنة بالعام الماضي. وتستمر المبيعات الأخرى في تسجيل نمو ملحوظ خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، بنسبة 15.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
تمثل المبيعات الأولى (أي مبيعات العقارات الجديدة) جزءًا كبيرًا من إجمالي المبيعات، حيث بلغت 44,858 وحدة سكنية في سبتمبر 2024، بزيادة 47.1% مقارنة بشهر سبتمبر من العام 2023. وهذه الزيادة تشير إلى أن المطورين العقاريين في تركيا استطاعوا تلبية جزء من الطلب الكبير على العقارات الجديدة، مما يعكس استمرار تطوير المشاريع السكنية في البلاد.
أما المبيعات الثانية (العقارات المستعملة) فقد بلغت 96,061 وحدة في سبتمبر 2024، بزيادة 33.1% عن العام الماضي. هذا النمو يعكس أيضًا تحسنًا في السوق العقاري في تركيا، حيث يبقى الطلب على العقارات المستعملة مرتفعًا، مما يشير إلى أن السوق العقاري لا يقتصر على شراء العقارات الجديدة فقط، بل يشمل أيضًا السوق الثانوي.
من الملفت للنظر أن مبيعات العقارات للأجانب شهدت تراجعًا بنسبة 31% في سبتمبر 2024، حيث تم بيع 2,022 وحدة سكنية فقط للأجانب. لكن رغم هذا التراجع، تبقى تركيا وجهة جاذبة للمستثمرين الأجانب، خصوصًا من دول مثل روسيا وإيران والعراق. وقد أظهرت الإحصاءات أن المواطنين الروس تصدروا قائمة المشترين الأجانب، حيث اشتروا 346 وحدة سكنية في سبتمبر 2024، تليهم إيران (163 وحدة) والعراق (139 وحدة).
ورغم تراجع المبيعات للأجانب في سبتمبر، إلا أن إجمالي مبيعات العقارات للأجانب في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2024 قد شهد انخفاضًا كبيرًا بنسبة 39.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ليصل إلى 17,090 وحدة. هذا التراجع يعود جزئيًا إلى التحديات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك التضخم وتقلبات العملة، والتي قد تكون قد أثرت على قرار الاستثمار العقاري لدى الأجانب.
التضخم، الذي بلغ مستويات مرتفعة في تركيا خلال الأشهر الماضية، كان له تأثير مزدوج على السوق العقاري. من جهة، ارتفعت أسعار العقارات بشكل ملحوظ، مما جعل شراء العقارات أكثر تكلفة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء. ومن جهة أخرى، ساهم التضخم في زيادة الطلب على العقارات كأداة استثمارية لحماية القيمة الشرائية للأموال.
العديد من المستثمرين المحليين والأجانب يعتبرون العقار واحدًا من الخيارات الآمنة للحفاظ على قيمة أموالهم في ظل التضخم المرتفع، مما ساهم في استمرار النشاط في هذا القطاع.
استجابةً للتحديات الاقتصادية التي تواجه القطاع العقاري، قامت الحكومة التركية بعدد من الإجراءات والسياسات لدعم هذا القطاع الحيوي. من أبرز هذه التدابير هو توفير التسهيلات في القروض العقارية، والتي شملت خفض الفوائد على القروض السكنية لتشجيع المواطنين على شراء العقارات. كما قامت الحكومة أيضًا بتوسيع نطاق المشروعات السكنية ذات الأسعار المعقولة، مما ساعد في رفع حجم الطلب على العقارات في مختلف أنحاء البلاد.
إضافة إلى ذلك، تسعى الحكومة التركية إلى تحفيز الاستثمارات الأجنبية من خلال تقديم تسهيلات في الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بشراء العقارات، مما يسهم في جذب المزيد من المستثمرين الأجانب إلى السوق العقاري التركي.
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها القطاع العقاري التركي في الفترة الأخيرة، بما في ذلك التضخم وارتفاع تكاليف البناء، يظل السوق العقاري في تركيا يشهد نموًا مستمرًا. فعلى الرغم من تراجع مبيعات العقارات للأجانب، يظل السوق المحلي قويًا، مما يدل على تزايد الطلب على العقارات.
إن السوق العقاري التركي، بكافة جوانبه، سواء من حيث المبيعات المحلية أو الأجنبية، يُظهر مرونة وقدرة على التأقلم مع التحديات. وبالتالي، لا يزال السوق العقاري التركي يمثل وجهة مغرية للمستثمرين الباحثين عن فرص استثمارية مستقرة وآمنة. ومع استمرار تنفيذ السياسات الحكومية لدعم القطاع، يبقى هناك الكثير من الفرص الاستثمارية في هذا المجال.